هذه السنة، نجحتُ بجدارة إلى الشهر الأخير في أن أُشيحَ بنظري عن الحياة بمختلف أنواعها و أشكالها أمامي.
مهما بدى المشهد مُفرحا أو مُبكيا، مثيرا للريبة، أو الاهتمام المزيّف...
اعتبرت نفسي بصراحة، ضيف على هذه الحياة... و من باب إنه عيب قوم على المطبخ و اتمشى في "بيت الناس" ف قررت الجلوس واضعة رجلا على رجل أنتظر كوب العصير كي يقدّم لي بأكواب الضيوف التي تستخدم فقط في مثل هذه الحالات النادرة.
أوه، تبدو حائرا عزيزي... و اسمح لي أن أقول عزيزي... ف بيننا الكثير من الهراء المشترك حتى هذه اللحظة، مما يجعلكَ فعلا عزيز و غال على قلبي.
دعني أشرح، أبرر... أثرثر، أهبد، ثمّ أَصدر حكمكَ و نفّذه علي. فأنا الآن... هنا، أحاول الحفاظ على صورتي أمامك التي لا أهتم بها و لا برأيكَ عموما...
بدأتُ رحلتي، و أنا في رأسي سؤال يراودني... لماذا أنا على قيد الحياة؟
بالتأكيد، توجيه هذا السؤال للأشخاص الخطأ سيكون بمثابة وضع سكين قديمة صدئة على رقبتي. لأن الجواب التقليدي سيكون إما دينيا، أو فلسفيا، أو حتى ساخرا... و أنا، يا عزيزي، لم أكن في وضع يسمح لي بابتكار بعض الجمل السوداء لأقاوم بها هذه السكين... لذلك احتفظت بهذا السؤال في قلبي.. و قررت التجوّل في أيام الحياة بلا هدف.
تبا... أنا أكتب هذه الكلمات في نهاية السنة... مما يعني أنك ستظن أنني من قطار "التخطيط للسنة الجديدة"... أعتذر لك... صدفة بحتة... أو غير بحتة، لا يهم!
مشكلة الأسئلة الوجودية، أنها تعطيك قدرة خارقة على البؤس في الكثير من الأحيان إن لم تقرأ دليل الاستخدام المكتوب بالحبر السرّي و المخفي تحت سابع أرض.
مع هذه القدرة، تتولّد لديك نظرة ثاقبة مشوهة عن كيف تبدو الحياة فعلا.
فسؤال لماذا أنا على قيد الحياة، بالتأكيد سيقودني إلى التفكير ماهي الحياة أصلا؟ و ما هو المعنى من هذه الحياة... و بالتالي، المزيد و المزيد أكثر أكثر المزيد... و إلى النهائية وما بعدها.
شعرتُ بالغضب، السخط، الملل... مع رشّة لا مبالاة كانت كنتيجة لبدء استخدامي مضادات الاكتئاب المختلفة و التي تتكفّل بجعل عقلك يستحمل الكثير من الهراء دون الحاجة لإبداء أي ردة فعل.
لكنّ كل هذا دون جدوى...
أحسستُ أنني طفل، أبكي متمددا علي الأرض في السوبرماركت أضربها بقدمي بكل شغف اعتراضا... أنتحب طلبا لنوع لا يعجبني من الحلويات و لفتا للنظر، و أحد والداي قرر أن يمارس معي التربية الإيجابية الحديثة و يتركني لنوبة الغضب كي "أتعلّم"...
أنا لم أختر أن أكون على قيد الحياة، أصلا؟ أنا لم أقرر أنني أريد أن أتواجد هنا... و لذلك، سوري يعني... إلغي رحلتي.
و من هنا، بدأت الحياة بمبدأ... "after life" و هو مبدأ يعني تبا لكل شيء في الحياة، أنا جربت أن أهرب منها فماذا قد يحصل أسوأ؟ خربانة خربانة يا عمي.
قررت مع طبيبي النفسي، أننا كلنا سنموت، فلمَ العجلة؟ حقيقي والله ليش مستعجلة؟ و بناء عليه، سأفعل كل ما يحلو لي... كما يحلو لي... في الوقت الذي يحلو لي... دون الاكتراث لأي شيء.
أي شيء؟ فعلا؟
يب... أييييي شيء.
كتبتُ الكثير من القوائم بلا أي مبالاة... لأن تلك المملّة الصغيرة القاطنة في عقلي ستقوم بصنع شيء ما لتسلّي خيبتها بالتأكيد...
قائمة لكل المغامرات المخيفة التي أريد فعلها تحرّشا بالموت.
قائمة بكل الأشخاص الذين أريد مقابلتهم لأخبرهم أنهم شوهوا العالم، و أنني أبغض وجودهم فعلا.
قائمة بتحدّيات أريد مواجهتها. و أخرى بأفكار ليست منطقية، لكنني أريد صنعها.
قادني عبثي إلى صنع قائمة بكلمات عشوائية أريد أن أخبرها لأشخاص عشوائيين في الشارع لا لشيء إلا لإثارة الشغب في عقل من يصادفني.
ماذا ستفعل يا عزيزي إن كنتَ فعلا لا تهتم للحياة؟ لا تهتم بوجهة نظر أحد عنك "مع احترامي لوجهة نظرك إنت تحديدا بالطبع!"... ولا تهتم بكم تكسب، أين تعيش، ماذا تفعل خلال يومك...؟ كيف سيبدو شكل هذه الحياة؟ ماهي الأشياء التي تتحاشاها أو ستتحمس حينها لفعلها؟
اااااه، دعني أخبرك عن خيبة أمل جميع من حولي بهذه المحاولات الغريبة التي أخوضها، ينتابهم الفضول تارة، و الاستياء مع القليل من الشفقة تارة أخرى. لأنه "مسكينة هالبنت شو ضايعة"...
بس "آي دونت ريلي كير" متل ما بيقول صديقي عبد الرحمن!
تبا لكل شي.
مرّ جانيوري و فبراير، و أنا أكافح رغبتي المستميتة بالبقاء مختبئة تحت اللحاف في تورنتو، أرد على مكالمات الفيس تايم من أصدقائي كي أطمئنهم أنني على قيدِ الحياة جسديا... أما روحيا و نفسيا ف العوض بسلامتكم.
كنتُ أجرّ قدماي كي أستحم... أُمضي الساعات الطويلة و أنا غارقة في أفكاري تحت الدش لا أستطيع اتخاذ الخطوة التي بعدها. كلّ شيء يبدو صعبا... مستحيلا... يدعو للغضب أو لنوبة بكاء بسبب أنني لا أريد لف المنشفة على جسدي لأنني "أهلوس أنها مليئة بالدبابيس".
بالمناسبة، يأتي الاكتئاب الشديد في باكيج محترم يحتوي الكثير من الهلوسات اللامنطقية، نوبات بكاء عشوائية مع لوحة مكتوب عليها: زورونا تجدوا ما لا يسرّكم.
ثمّ بدأ شهر مارش، في تورنتو، يعني أن الجو بدأ بالتحسّن نوعا ما، فبدأت أغصب نفسي على الخروج من شرنقتي بعد السبات الشتوي. بدأت أعمل في تيم هورتنز كمحاولة مني أن أواجه خوفي بالتحدّث مع الغرباء من جديد... أكملت ٤ ساعات بالتحديد، ذكروني أضيفها للسيرة الذاتية على لينكد إن... أجيد التعامل مع الغرباء.
لم أستطع تحمّل هذا الجو، نوووب... لديّ طرق أفضل لإضاعة حياتي. فانسحبت كالشعرة من العجين.
قررت وقتها أن أعمل في المكتبة، أنا أحب الكتب... ملأت الطلب أون لاين، و وضحت لهم بشكل صريح أنني دودة كتب. في المقابلة، أخبروني أن دوري سيكون في تحميس الزوار على اختيار الكتب المناسبة لهم... ووووهههااا... المزيد من الغرباء... نووووب لن أفعل ذلك مهما كان إدماني للكتب يسيطر على حواسي.
أنا لن أواجه مخاوفي لأنه "مو جاي على بالي"... و عدتُ إلى شرنقتي... أحتسي ال "ضباب اللندني" من تيم هورتنز بعد أن طلبته برفق و لين من الموظف الذي كنتُ مكانه قبل أيام.
أما عن إبريل، ف... كان نقطة تحوّل بحياتي، عندما استيقظت صباحا، لأشاهد الثلج ينهمر من السماء من جديد كأنه انتقام مني... اتصلت على صديقتي أبكي و أشهق: الشتوية ما عم تخلص... اليوم نزل ثلج من جديد... لتُبهرني بجملة حكيمة: إنت شو عم تعملي أصلا لهلأ في تورنتو؟ تعالي الرياض.
لم أكذب خبرا، حجزتُ في لحظتها، كأنني اكتشفت أن باب السجن كان مفتوحا أصلا طوال الوقت... تصرّفت بكل المفروشات، أعطيتها لعائلة هندية حديثة الوصول لتورنتو يظنون أن الحياة هنا ستكون جميلة... مساكين مبسوطين.
و هلعت... إلى المطار، في أقل من ثلاثة أيام.
حاولت في يومي الأخير في تورنتو أن أستوعب قراري جيدا... لماذا أنا أريد العودة... و كي أمسِكَ على نفسي هذا القرار لأعود له لاحقا... صورت فيديو ابتزاز لي.
بدأ بعدها شهر may و الذي كان من المفروض به أن تبدأ حياتي الحقيقية، بعد الهدنة التي قمت بها مع الحياة...
أخبرني دكتوري أنني بحاجة لرؤية أشخاص آخرون. هههه يالخفة دمك يا ابني! تمزح صح؟ ههه هاه؟ أشخاص؟ اللعنة...
أنا كنت مستمتعة بمقعد المشاهد. لكنني كنت قد اتفقت معه على أن أستسلم تماما لملاحظاته و طلباته... فتورّطت بالعمل مع شركتين... إحداهما "طُلبَ مني فيها أن أكون متواجدة بشكل شبه دائم"...
و تقريبا، هذا كان أسوأ قرار اتخذته في حياتي... كنتُ لا أطيق الحديث معهم. كل شيء هراء. من أنتم؟ ولماذا تفعلون ما تفعلون؟ ألا تدركون حجم الهبل الذي تقومون يوميا به؟ تبا...
كلّ يوم، كنت أشعر بأن هناك من يربطني في سريري قبل ذهابي... كرهت كلّ لحظة، كل شيء غبي، كل شيء مستفز، أو... يثير لدي الكثير من المحفّزات للهلوسات.
إلى أن انهار عالمي تماما...
انهار كل شيء
عقلي؟ قواي النفسية، الجسدية، أفكاري و حتى رغبتي بال After life ... فقدت شهيتي للحياة تماما... لم أعد أكترث لأي شيء.
كل شيء حولي كان مرعبا. أتذكّر مكالمات صديقتي لمساعدتي على "أخذ شاور" لأنني كنت خائفة، أتذكر ضبابا من وقفتي خارج بوابة الطوارئ لمستشفى الأمل مع صديقاي من العمل "ماجد" و "إبراهيم" و أنا أبكي، أتوسّل لهم كي لا يتركوني وحدي لأنني لا أقوى على مواجهة المزيد من الأشخاص.
كنت أريد تحاشي الحياة تماما... كل ما أرغب به هو احتضان قردودي والبكاء...
لكن، دعني أكن صريحة معك، منذ متى و أنت ساذج إلى حد اعتقادك بأن الحياة روتينية و تعطيك ما تريد؟
بالطبع لا...
مر جون، جولاي، أوجست، و أنا أحارب بكل ما تبقى لي من قوّتي.
الدكتور يقول قاومي، حاولي، جربي... وكأنني في عملية ولادة معقّدة و طويلة جدا... كان كلّ ما أرغب به هو أن يصمت... أنا أصلا موجودة في عيادته فقط كي لا تغضب صديقتي مني.
تحاشيت المكالمات، نظرات الأشخاص الذين لا أعرفهم و أعرفهم.... ثمّ
قررت أنني لن أعيش أكثر من ١٠٠ يوم في هذه الحياة... ١٠٠ يوم و كثّر الله خيري...
سأعطي الحياة آخر فرصة و سأعيش هذه ال ١٠٠ يوم، كل يوم منها كأنها آخر يوم.
سأبحث عن إجاباتي في أعين من أثق بهم، في اللحظات الصغيرة التي سأصنعها... سأواجه مخاوفي، و أضغط كل الأزرار المرعبة في حياتي.
الخطوة الأولى:
ضع مؤقتا على هاتفك... من باب زيادة التوتّر.
الخطوة الثانية:
أخبر به مجموعة صغيرة من الأشخاص حولك... كي يتهيؤوا نفسيا لخطة هروبك.
الخطوة الثالثة:
أخبر طبيبك أن هذه هي فرصته معك.
الخطوة الرابعة:
ضع خطة لبعض الأمور التي تحتاج أن تنهيها.
الخطوة الخامسة:
اختر الطريقة التي ستنتهي بها الحياة.
خطوة إضافية اختيارية:
اختر بعض الأشياء التي تريد فعلها، و كنت تسوّفها سابقا لأي سبب.
و ترااا أنت جاهز لمواجهة الحياة...
إن كنتَ تنتظر أن تراني غارقة بالدموع، فستخسر الرهان بالطبع!
يا ابني... أنا أعرف كيف أدفن مشاعري الحقيقية إلى الحد الذي لن تستطيع معه أن تشكّ حتى لوهلة...
هذه صورتي عندما قررت أن أبدأ العد التنازلي لحياتي... يب مليئة باللاشيء...
شكله الموضوع مطوّل... نكمّل في جزء ثاني...
هذا لو كان لكَ جلد على قراءة الهراء الأوّل...
إلى وقتها... أتمنى تعيشوا فعلا.
يجمعنا الهراء ويجمعنا الإبداع ويجمعنا العديد من المواصفات الأخرى، نحن البشر متشابهين لدرجة عجيبة لكن الذي يمنعنا عن ملاحظة أوجه التشابه هو طريقة تفكيرنا ونوايانا ... بكل حال لعلك تغلقين إمكانية التعليق لكي لا يأتي من يرميك بهراءه على هامش تدوينتك ... أو شخص يترك كل التدونية ولا يقع إلا على خطأ كما الذبابة، مهوس يسألك لماذا تكتبين مارش بدلا من مارس لكون أن المحتوى عربي 😂 أو آخر يستاءل عن ما إذا كانت العائلة الهندية ما زالت سعيدة بقرار هجرتها لبلاد الديموضراطية ... بانتظار الجزء الثاني ...